الحكومة تعرف المتورطين وتُخفيهم!.. من يتستر على شركة البنزين الفاسدة وصاحب المعمل الخاص؟

في تطور جديد لأزمة البنزين التي أثارت جدلًا واسعًا خلال الأيام الماضية، كشف الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن تفاصيل الأزمة خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي، مؤكدًا أن شحنة بعينها تخص إحدى شركات التكرير كانت تحتوي على نسبة كبريت أعلى من المسموح بها. وأوضح أن هذه الشحنة خضعت لفحص من قبل معمل مستقل غير تابع للدولة، وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي وجه باتخاذ الإجراءات القانونية ضد الجهة المسؤولة، مع توقيع غرامات مالية على الكيانين المعنيين بالأزمة.
لكنّ هذه الرواية الرسمية لم تمر دون رد من خبراء البترول، إذ سارع المهندس مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، إلى التشكيك في دقة ما ورد بتصريحات رئيس الوزراء، مؤكدًا أن ارتفاع نسبة الكبريت في البنزين لا يؤدي إلى إتلاف مضخات الوقود (الطلمبات)، بل إن تأثيره يقتصر على زيادة معدلات تلوث الهواء، ولا يظهر إلا في حال غياب أو تعطل أنظمة العادم الحديثة مثل “الكاتاليست” أو “علبة البيئة”.
ويضيف يوسف في تصريح خاص، أن البنزين يُنتج من مادة “النافثا”، وهي مشتقة من تقطير النفط الخام، وأن النافثا المنتجة في مصر ذات محتوى منخفض من الكبريت بطبيعتها بسبب خصائص الخام المحلي، مما يجعل احتمال خروج شحنة محلية غير مطابقة للمواصفات أمرًا “مستبعدًا للغاية”، على حد تعبيره.
🔴 سجال بين المعطيات الفنية والتصريحات الرسمية
وما يزيد من حدة التباين بين الروايتين، هو الإشارة ضمنيًا من رئيس الوزراء إلى أن الأزمة ناجمة عن تقصير في الرقابة على شحنة واردة أو إنتاج محلي، بينما يرى الخبير البترولي أن إنتاج البنزين المحلي لا يعاني في الأساس من مشكلة الكبريت، مما يفتح باب التساؤل حول ما إذا كانت الشحنة المثيرة للجدل مستوردة بالفعل، ولماذا لم تُعالج قبل طرحها.
وفي هذا السياق، يشير يوسف إلى أن معامل التكرير المصرية قادرة على ضبط نسب الكبريت في أي مكون بترولي، من خلال خلطه بمكونات ذات محتوى منخفض، وهي ممارسة معروفة تسبق عادةً أي عملية طرح في السوق، ما يطرح سؤالًا مشروعًا:
أين كانت رقابة المعامل، ولماذا لم تُفعل منظومة المزج قبل أن تصل الشحنة إلى المستهلك؟
🔴 مسؤولية مزدوجة ومعامل غير تابعة للدولة
تصريحات رئيس الوزراء تطرقت إلى أن المعامل التي فحصت الشحنة ليست تابعة للدولة، وهو ما يسلط الضوء على فجوة تنظيمية تستحق المراجعة. فإذا كانت الجهات الرقابية غير حكومية، فمن يضمن حيادها وكفاءتها؟ ومن يراقب أداء هذه المعامل في الأساس؟ وهل هناك آلية واضحة للمحاسبة أو الاعتماد الفني من قبل وزارة البترول؟
في المقابل، تؤكد مصادر بوزارة البترول أن وزير البترول عرض على الرئيس السيسي تصورًا متكاملًا لتطوير منظومة التكرير والفحص، بما يمنع تكرار الأزمة، وهو ما يوحي بأن هناك مراجعة جذرية للمسارات التنظيمية والفنية الجارية في الوقت الراهن.
🔴 بين الكبريت والطلمبة… الحكاية لم تنتهِ
الأزمة – وإن بدت فنية في ظاهرها – إلا أنها فتحت بابًا واسعًا للأسئلة حول سلامة المنظومة البترولية، وفعالية الرقابة على المنتجات الحيوية، بل وألقت الضوء على طبيعة العلاقة بين الجهات الحكومية والمستقلة في ملف حساس يمس ملايين المواطنين يوميًا.
وفي ظل هذا التباين بين الرواية الرسمية والتحليل الفني للخبراء ومصادر "باور ان " في القطاع ، يظل الشارع المصري في انتظار إجابات دقيقة وشفافة، لا تُلقي بالمسؤولية على جهة مجهولة، ولا تمرر الحادث باعتباره “واقعة فردية”، بل تكشف عن مكامن الخلل وتعالجها من الجذور..
🔴 المعمل الخاص في دائرة التساؤلات: من وراء الشحنة؟
وسط هذا التباين اللافت بين التصريحات الحكومية والتحليلات الفنية، يبرز سؤال محوري لم تُجب عنه الدولة حتى اللحظة: من هو صاحب الشحنة؟ ومن يدير المعمل الخاص الذي فحصها؟ فحتى الآن، لم تُعلن الجهات الرسمية اسم الشركة المستوردة أو المعمل المسؤول عن تحليل الشحنة محل الأزمة، ما يثير علامات استفهام حول الشفافية والمحاسبة. وإذا كان الرئيس قد وجّه باتخاذ إجراءات قانونية وتوقيع غرامات، فمن المنطقي أن يعرف الرأي العام من هم الأطراف المخطئة، خاصة وأن الأزمة مسّت سلعة حيوية يستخدمها ملايين المواطنين يوميًا. كما أن استمرار الاعتماد على معامل فحص غير تابعة للدولة في منتجات حساسة مثل البنزين يفتح الباب لمخاوف أكبر تتعلق بضمان الجودة، ويفرض ضرورة إعادة النظر في آليات الرقابة والاعتماد الفني لهذه الكيانات.
🔴 نائب برلماني يكشف: وقود مغشوش و”مية بدل البنزين”
في تصعيد خطير يكسر حاجز الصمت البرلماني، خرج النائب محمد أحمد الجبلاوي، وكيل لجنة الطاقة السابق بمجلس النواب، بتصريحات نارية أكد فيها أن الأزمة أعمق بكثير مما تم الإعلان عنه، مشيرًا إلى وجود وقائع تزوير وغش ممنهجة داخل بعض دوائر وزارة البترول نفسها.
وقال الجبلاوي في تصريحات صحفية إن بين يديه مستندات رسمية وفيديوهات توثق عمليات ضخ وقود غير مطابق، بل وتبديل البنزين بمياه في بعض الحالات، مؤكدًا: “ما يحدث جريمة كاملة الأركان، ولا يمكن السكوت عنها”. ودعا إلى فتح تحقيق عاجل وموسع يشمل جميع الجهات المتورطة، من شركات التكرير إلى معامل الفحص والإشراف، متسائلًا بدوره: “لماذا تُحمى بعض الأسماء من المساءلة؟”