موظفون: يُعاملوننا كمتهمين لا كعاملين.. وخبراء: القرار بيروقراطي ويخالف علوم الإدارة الحديثة
منشور يثير الجدل في “شمال القاهرة للكهرباء”: الإدارة تُراقب المرضى وتشكل لجان للتفتيش عليهم بالمنازل

أثار منشور إداري حديث أصدره رئيس مجلس إدارة شركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء، حالة من الجدل داخل أروقة الشركة، بعدما فرض إجراءات صارمة على الموظفين المتقدمين ببلاغات مرضية، مطالبًا إياهم بالإبلاغ الفوري عن عنوان تواجدهم بالتفصيل الدقيق، بما في ذلك “رقم الشقة والعلامة المميزة”، تمهيدًا لإرسال لجان تفتيشية للتحقق من حالتهم، وهو ما اعتبره موظفون ومتخصصون في الإدارة تجاوزًا صريحًا لحدود الخصوصية، وتراجعًا خطيرًا في فلسفة إدارة الموارد البشرية.
المنشور المثير للجدل
حمل القرار عنوان: “منشور رقم 2 بتاريخ 11 مايو 2025 بشأن الإجراءات الواجب اتباعها عند قيام الموظف بالتبليغ المرضي”.
ونص على الآتي:
“يُرسل الموظف نسخة من البلاغ المرضي في ذات يوم الإبلاغ، بعد اعتماده من جهة العمل، إلى السيد المحاسب رئيس قطاعات الشؤون المالية والموارد البشرية والتدريب، موضحًا العنوان بالتفصيل: اسم الشارع، رقم العمارة، الدور، رقم الشقة، رقم التليفون، وأي علامة مميزة، لتسهيل وصول اللجنة المشكلة لهذا الغرض.”
كما أكد المنشور أن مخالفة التعليمات تُعرض الموظف للمساءلة القانونية، وهو ما فتح باب التساؤلات حول مدى ملاءمة هذا الأسلوب لروح العصر ومبادئ الإدارة الفعالة.

“النهج الأمني” في التعامل مع المرضى
في الوقت الذي تتجه فيه كبرى الشركات حول العالم إلى تطوير نظم العمل عن بُعد وتسهيل الإجراءات الطبية للعاملين، تأتي قرارات من هذا النوع لتعكس فجوة كبيرة بين ما هو معمول به دوليًا وما يزال يُمارس داخل بعض المؤسسات الحكومية أو شبه الحكومية في مصر
عدد من موظفي الشركة، تحدثوا لـ”باور ان ” شريطة عدم ذكر أسمائهم، ووصفوا القرار بأنه “ينتمي لعصر التفتيش، لا عصر الإدارة الذكية الذي تتنافس فيه كبرى الشركات”.
وقال أحد الفنيين: “نُعامل كما لو كنا متهمين في قضية هروب، لا موظفين أصيبوا بوعكة صحية. هذا النوع من الإجراءات يحطم روح الفريق والثقة المتبادلة.”
غليان في صفوف الموظفين وانتقادات واسعة للقرار من قيادات الصف الأول
وفي هذا السياق، اعتبر بعض العاملين أن المنشور خرق لمبادئ الخصوصية التي كفلتها قوانين حماية البيانات الشخصية في مصر، والتي تُلزم المؤسسات بتحديد الغرض من جمع المعلومات وتقييده بالضرورة الوظيفية الواضحة
وقد اثار القرار ردود فعل غاضبة في قطاعات مختلفة بالشركة وفي ذلك تحدث أحد قيادات الشركة إلى باور أن لكنه طلب عدم ذكر اسمه وقال: إن القرار يعكس نهجًا إداريًا يعتمد على الشك، لا التحفيز أو التطوير.
زميل آخر له في صفوف القيادة العليا بالشركة قال لـ”باور ان ”: “ما يحدث في شركة شمال القاهرة يُظهر غيابًا للرؤية المؤسسية. الإدارة الحديثة لا تحتاج لجان تفتيش تصل إلى الشقق بل تحتاج آليات تحقق إلكترونية، وربط مع منظومة التأمين الصحي. ما نراه هو إدارة بالشكوك، لا بالبيانات.”
الخصوصية في مهب الريح
أخطر ما في القرار، بحسب مراقبين، هو طلب تفاصيل تُعد من البيانات الحساسة: كرقم الشقة والعلامة المميزة ومكان الإقامة خلال فترة المرض.
وهو ما يخالف بشكل مباشر مبادئ حماية البيانات الشخصية التي أقرها القانون المصري رقم 151 لسنة 2020، والتي تمنع جمع بيانات حساسة دون ضرورة واضحة ومبررة.
مصادر من داخل الشركة، طلبت عدم نشر أسمائها، عبّرت عن استيائها من “النهج البوليسي” في التعامل مع الموظفين، مؤكدة أن هذا النوع من المنشورات لا يُسهم في ضبط الأداء بقدر ما يخلق مناخًا من التوجس وانعدام الثقة
بيئة العمل.. نحو الطرد لا الجذب
قرارات كهذه – بحسب موظفين – تسهم في خلق مناخ وظيفي طارد للكفاءات.
يقول موظف آخر: “أصبحنا نخشى أن نُصاب بنزلة برد، لا لأننا لا نملك الحق، بل لأننا سنُستجوب على عنوان العمارة وكشف ستر البيوت
أين التطوير؟
غاب عن القرار أي إشارة إلى تحسين منظومة الإجازات المرضية إلكترونيًا أو التنسيق مع الهيئات الطبية رسميًا، وهو ما يثير علامات استفهام حول توجه الإدارة نحو “اللقطة” الإدارية، لا التطوير الحقيقي.
قرار يحتاج لمراجعة عاجلة من وزير الكهرباء
في الوقت الذي تُحدث فيه المؤسسات الكبرى أدواتها لتوفير بيئة عمل صحية وداعمة، يرسخ هذا القرار نهجًا بيروقراطيًا متصلبًا، يتعارض مع مفاهيم الحوكمة، ويهدد بثقافة إدارية ترى في الموظف خطرًا محتملًا، لا شريكًا في الإنتاج، وهذا بدوره يتطلب من الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء، بما يملكه من تاريخ طويل في القيادة وخبرات في الحوكمة الإدارية، أن يتدخل على نحو عاجل حفاظًا على سمعة وزارة كبيرة، مثل وزارة الكهرباء، تتعامل مع مؤسسات دولية أن يكون فيها هكذا نمط في الادارة.
هل يسعى رئيس الشركة لـ "اللقطة " أم للإصلاح؟
منشور كهذا لا يصدر إلا بدافع “اللَقطة الإدارية”، أي رغبة القيادة في إظهار الحزم، حتى لو جاء ذلك على حساب المناخ الوظيفي وصحة العاملين، خاصة بعدما بدأ أن رئيس الشركة قد أعجبته الزفة التي تحيط به من بعد ما استلم مهمته رئيسًا لمجلس الإدارة قبل اسابيع.
إن أي شركة كبرى، تتعامل باحتراف مع رأس المال البشري، تدرك أن المرض جزء طبيعي من دورة العمل، وأن الإدارة لا يجب أن تُدار كشرطة تفتيش، بل كمنظومة ثقة تحفز الموظف على الإنتاج وتمنحه الأمان