PowerIn
رئيس التحرير
عصام كامل

هاني ابوزيد يكتب "الفسحة على نفقة الدولة" من ترشيد الملا الي انفاق بدوي

المهندس كريم بدوي
المهندس كريم بدوي

في الوقت الذي ترفع فيه الدولة شعار ترشيد الإنفاق وتطالب فيه المواطنين بتحمّل تبعات الإصلاح الاقتصادي، يفتح ملف سفريات الوزراء بابًا واسعًا للأسئلة، خاصة حين تتحول الزيارات الخارجية من أداة عمل إلى نمط إنفاق مفتوح بلا ضوابط واضحة، بشكل توصف فيه بأنها فسحة على نفقة الدولة أكثر من كونها سفريات لخدمة العمل.

اللافت أن عددًا من المسؤولين، وعلى رأسهم بعض الوزراء، لا يتعاملون مع السفر الخارجي باعتباره استثناءً تفرضه الضرورة، بل كامتياز دائم، تُنفق عليه ملايين الجنيهات في الرحلة الواحدة، نتيجة اصطحاب وفود متضخمة من المعاونين وقيادات الصفين الأول والثاني.

وزارة البترول.. الرقم الأصعب

وتتصدر وزارة البترول والثروة المعدنية هذا المشهد، بعد التوسع غير المسبوق في عدد سفريات  كريم بدوي وحجم الوفود  المصاحبة له منذ توليه الوزارة في 3 يوليو 2024.

مصادر داخل القطاع تصف المشهد بـ«سباق محموم على ركوب الطائرات »، بعدما باتت السفريات الخارجية محل صراع بين القيادات، لا لحاجة العمل، وإنما لما توفره من بدلات مالية ومكاسب شخصية، في ظل غياب أي معايير معلنة للاختيار.

من ترشيد الملا إلى إنفاق بدوي

في عهد الوزير السابق طارق الملا، كانت السياسة واضحة:
تقليل عدد المسافرين.. تقليص التكلفة.. مشاركة محدودة من الموظفين.

أما اليوم، فقد تبدل المشهد جذريًا.
فالوزارة تتبنى – وفق الرصد – نهجًا إنفاقيًا توسعيًا، تُشارك فيه بوفود كبيرة في مؤتمرات دولية، حتى تلك التي لا تستوجب هذا الحضور الكثيف.

ويُعد مؤتمر أديبك في أبوظبي المثال الأوضح، إذ سافرت أكثر من 150 قيادة من الهيئات والشركات التابعة على نفقة الوزارة، في وقت تعلن فيه الدولة بوضوح أن كل جنيه له ثمن.

 

47سفرية في 15 شهرًا

 

الأرقام هنا لا تتحدث عن نفسها فقط، بل تدين الواقع.. فبحسب رصد «فيتو»، أجرى وزير البترول كريم بدوي 48 زيارة خارجية خلال عام وثلاثة أشهر فقط، بخلاف سفريات رؤساء الشركات ورئيس الهيئة العامة للبترول، ما يعني عمليًا نزيفًا متواصلًا للمال العام.

وفي الربع الأخير من 2024 وحده، سجل الوزير 11 زيارة خارجية، تنقل خلالها بين السعودية، الإمارات، قبرص، إيطاليا، الولايات المتحدة، روسيا، ألمانيا، وفرنسا.

2025.. عام السفر المفتوح

لم يتوقف الإيقاع في 2025، بل تصاعد؛ إذ رصدت جهات رقابية 35 زيارة خارجية لكريم بدوي خلال عام واحد، بمتوسط إقامة من 3 إلى 5 أيام للزيارة، شملت مؤتمرات وقمم في: واشنطن، هيوستن، كيب تاون، برلين، لندن، أثينا، فيينا، بيرث، أبوظبي، الدوحة، الكويت، بغداد، وتنزانيا.

سؤال مشروع يفرض نفسه:
كم بلغت تكلفة هذه الجولات؟
وما العائد الحقيقي منها على الاستثمار والإنتاج؟

الإنجاز الغائب

حتى الآن، لا يوجد كشف حساب معلن يربط بين هذا العدد الضخم من السفريات وبين أي زيادة فعلية في الإنتاج، أو اتفاقيات نوعية جديدة، أو خطط استثمارية تبرر هذا الإنفاق، بل على العكس، يرى خبراء في القطاع أن بعض هذه المشاركات كان يمكن تمثيلها بوفد محدود.

القضية على هكذا نحو تكشف غياب المعايير المعلنة للسفر أو لاختيار المرافقين، فلا تقارير منشورة عن نتائج كل رحلة، ولا تقييم للعائد مقابل التكلفة، وهو ما يحوّل السفر من أداة دبلوماسية واقتصادية إلى امتياز إداري مدفوع من جيب الدولة.

المال العام خط أحمر

في قطاع استراتيجي كالبترول، لا يكفي رفع الشعارات لجذب الاستثمار، بل يجب أن تخضع كل خطوة – خاصة تلك المكلفة – إلى ميزان المحاسبة، فالزيارات الخارجية ضرورة، لكن الضرورة لا تعني الإسراف، والتمثيل لا يعني اصطحاب نصف الوزارة، والمؤتمرات لا تبرر فتح صنبور الإنفاق بلا حساب.

ويبقى السؤال الأخير الذي يظل معلقًا: من يضع حدًا للسياحة على نفقة الدولة؟