PowerIn
رئيس التحرير
عصام كامل

تحقيق خاص.. نهب منظّم في عمق الصحراء الشرقية.. فوضى الامتيازات تكشف فشل رئيس هيئة الثروة المعدنية في حماية ذهب مصر

الجيولوجي ياسر رمضان
الجيولوجي ياسر رمضان

في الوقت الذي تراهن فيه الدولة المصرية على قطاع التعدين باعتباره رافدًا أساسيًا لدعم الاقتصاد القومي، تتحول الصحراء الشرقية إلى ساحة مفتوحة لنهب الذهب، وسط غياب شبه كامل لدور هيئة الثروة المعدنية، وانهيار منظومة الرقابة التي يفترض أن يقودها رئيس الهيئة الجيولوجي ياسر رمضان. فبين عقود امتياز تُمنح لشركات يفترض أن تكون نموذجًا للانضباط، ودهّابة يعملون علنًا في مناطق الاستكشاف، وشبكات تنتج الذهب وتبيعه خارج الأطر القانونية… تتبدى صورة واضحة: الهيئة فقدت السيطرة، والشركات تحولت إلى سماسرة، والدولة تخسر الملايين أسبوعيًا.

 

🔴 أولًا: تحت مظلة الامتيازات… الذهب يُسرق في النهار

 

لم تعد بعض شركات التنقيب تلتزم بنصوص الاتفاقيات أو مراحل البحث والاستكشاف. بل بات جزء منها، وفق مصادر ميدانية ومعلومات مؤكدة، يمارس دور “الوسيط” بين الدولة والدهّابة، في مخالفة صريحة للقانون، وعلى مرأى من هيئة الثروة المعدنية.

هذا الانحراف لم يكن ليحدث لولا حالة الترهل الرقابي، وغياب المتابعة الميدانية، وترك الملف بالكامل لممارسات شخصية داخل الشركات، تتعارض جذريًا مع فلسفة الدولة في تطوير قطاع التعدين بعد تعديلات قانون الثروة المعدنية ولائحته التنفيذية عام 2020.

 

🔴 شركة إبداع جولد.. من امتياز رسمي إلى “مزرعة دهّابة”

 

في منطقة جبل الشحيمية على طريق قنا–سفاجا، حصلت شركة إبداع جولد على امتياز مساحته 105 كيلومترات. ورغم أن الشركة في مرحلة “الاستكشاف فقط” على الورق، إلا أن الواقع مختلف تمامًا:

▪️ ضابط متقاعد (م-قاسم) يدير الموقع كأنها ضيعته الخاصة

المذكور عقد اتفاقات سرية مع أربعة مقاولين:
• كمال البحيري (الأشراف الشرقية)
• محمد الجزار (البارود)
• ميدو (القصير)
• محمد فوزي (سفاجا)

كل مقاول يدفع حتى مليون جنيه أسبوعيًا، أو نسبة 50% من الإنتاج… مقابل السماح للدهّابة بالعمل داخل منطقة الامتياز!

هذه المنظومة أنتجت نحو 300 مليون جنيه خلال عام واحد، ذهبت لمجموعة قاسم والدوائر المرتبطة به داخل الشركة… بينما الهيئة لم تتدخل حتى اليوم.

▪️ ضباط آخرون تولوا المهمة بعد رحيله

بل وصل الأمر إلى تشغيل عمال سودانيين داخل الامتياز، يديرهم العقيد المتقاعد “شوكت”، الذي اختفى فجأة تاركًا طواحين وأحواض سيانيد لعناصر محلية تسعى الآن لبيعها… دون أن يسأل أحد من هيئة الثروة المعدنية: من يملك؟ ومن يعمل؟ ومن يبيع الذهب؟!

▪️ انهيار هيكل الشركة… وانكشاف غياب الجدية

الشركة التي بدأت بـ200 عامل تعمل الآن بـ20 فقط.
معدات محدودة: 3 حفارات، لودرَين، بريمتان مستعارتان من السكري.

هذا ليس استكشافًا… هذه شركة شبه متوقفة، وامتيازها عمليًا تحوّل إلى مزرعة دهّابة.

وكل ذلك يتم تحت أعين الهيئة، بلا مساءلة، بلا تفتيش، بلا حتى زيارة ميدانية حقيقية.

🔴 شركة آتون… منجم كامل خارج القانون تحت ستار “الاستكشاف”

أما شركة آتون للتعدين، فهي نموذج أكثر خطورة، لأنها تدير شبكة منتظمة تمتد من وادي سمنة إلى سرباكس والثريا والخربة وكلاحين الحاجر والأشراف الشرقية والجبلاو.

▪️ أكثر من 250 طاحونة وبلوميل تعمل علنًا

هذه الطواحين ليست سرية.
ليست تحت الأرض.
ليست في مغارات.

إنها تعمل فوق سطح الأرض، بمولدات كهرباء… وأحيانًا عبر سرقة كابلات عمومية… دون أن تتحرك الهيئة أو رئيسها خطوة واحدة!

▪️ شخصيات تدير إنتاج ذهب أسبوعي قُدِّر بـ5 كيلوغرامات

من بينهم:
• (عودة أبو-س)
• (ح- أبو سليمان)
• (حماد أبو ص)
• (م- أبو مبارك)

كلهم يعملون داخل مناطق امتياز رسمية، وبالتنسيق مع موظفين في الهيئة، وفق مصادر ميدانية محايدة.

قيمة الإنتاج تتجاوز 20 مليون جنيه أسبوعيًا.
ولا تدخل جنيهًا واحدًا لخزانة الدولة.

▪️ مناطق كاملة تحولت إلى مناجم غير شرعية

منها مزرعة مملوكة سابقًا لـ(عبدالظاهر أبو-ع)، على بعد كيلومترين من طريق سفاجا–سوهاج، ومواقع عند الكيلو 67 و85… كلها تعمل بنظام “شيل واربح”.

🔴 ماذا يفعل رئيس هيئة الثروة المعدنية؟

من واقع المعلومات المتاحة… لا شيء تقريبًا.

▪️ الرقابة غائبة

لا لجان تفتيش دورية.
لا ضبطيات ميدانية.
لا مراجعة حقيقية لأنشطة الشركات.

▪️ الشركات أصبحت أقوى من الهيئة

وهي المعادلة الأخطر… حين تتحول شركات الامتياز إلى سلطة أعلى من الجهة المنظمة لها.

▪️ فشل إداري ورقابي ذريع

حتى ملف شركة ثاني دبي، أحد أهم ملفات الاستثمار الأجنبي في قطاع الذهب، فشلت الهيئة في التعامل معه حتى هربت الشركة من البلاد، مخلفة سمعة سيئة للقطاع أمام المستثمرين العالميين.

هذا لم يكن ليحدث لو كانت الهيئة تدار بكفاءة، أو لو كانت القيادة الحالية تمتلك الحد الأدنى من القدرة على إدارة ملف بهذه الحساسية.

🔴 خسائر بالملايين… ووقت الدولة يضيع

التقديرات تشير إلى أن عشرات الملايين من الجنيهات تُنهب أسبوعيًا.
ذهب مصر يخرج من باطن الأرض إلى جيوب أفراد… بينما الهيئة المفترض بها حمايته مشغولة بالصمت والغياب والارتباك الإداري.

🔴 ما الحل؟
1. تفعيل وحدات تفتيش دائمة للعمل داخل مواقع الامتياز—not على الورق.
2. فتح تحقيقات عاجلة مع أي شركة تسمح لأنشطة دهّابة بالعمل داخل مناطقها.
3. إعادة تقييم أداء رئيس هيئة الثروة المعدنية الذي أثبتت الأحداث أنه عاجز عن ضبط قطاع يمثّل أمنًا اقتصاديًا لمصر.
4. تحرك فوري من الرقابة الإدارية لكشف الشبكات المتورطة داخل الشركات والهيئة نفسها.

ما يحدث اليوم في امتيازات الذهب أكبر من اعتباره مجرد “مخالفات”، إنه نزيف اقتصادي خطير، وفضيحة رقابية مكتملة الأركان، تكشف فشل رئيس هيئة الثروة المعدنية في القيام بدوره.

وإذا لم تتحرك الدولة الآن—وليس غدًا—فإن هذه الشبكات ستتحول إلى مافيا منظمة تسيطر على ذهب مصر، وتستنزف ثرواتها تحت ستار الامتيازات الرسمية.

الوقت ليس في صالح أحد… إلا اللصوص.