تحقيق استقصائي يكشف خفايا الترقيات والمصالح الخاصة في واحدة من قلاع وزارة البترول المصرية
إنبي: كيف تحوّلت شركة بترول كبرى إلى مزرعة عائلية؟!

“نحن نعمل في الظل… لا نعلم متى تأتي الترقية، ولا لماذا تُمنح لآخرين دوننا، لكننا نعلم أن شيئًا ما ليس على ما يرام.”
بهذه الكلمات افتتح أحد قيادات شركة “إنبي” للبترول، رسالته المجهولة التي وردت إلى بريدنا مطلع شهر أبريل الماضي، كاشفًا الستار عن أزمة صامتة تتصاعد داخل أروقة الشركة، بينما ينشغل رئيس مجلس إدارتها المهندس وائل لطفي، في معارك استراتيجية كبرى خارج أسوارها، سعيًا للازدهار بها على الساحة الإقليمية والدولية.
لكن خلف هذا الحراك الخارجي، تتكشف في الداخل ملامح عبث إداري لا يقتصر على سوء التنظيم أو ضعف الكفاءة، بل يتجاوزهما إلى حدود فساد منظم، ينمو تحت مظلة غياب الرقابة الحقيقية، ويتغذى على شبكة علاقات ومصالح خاصة اخترقت جسد واحدة من أبرز شركات قطاع البترول في مصر.
🔴 من الاستحقاق إلى الانتقاء: كيف تُدار الترقيات في إنبي؟
في تقرير فني رُفع مؤخرًا إلى جهة رقابية سيادية، جرى توثيق مخالفات صارخة في آليات الترقيات داخل الشركة. تضمنت الوقائع تعيينات وترقيات لعدد من الموظفين لا يستوفون الشروط القانونية أو الفنية، بل لم يبلغ بعضهم الجريد الوظيفي الأساسي المطلوب (١٤ و١٥) للترقي، في حين ظل آخرون، ممن يحملون مؤهلات علمية أرفع، عالقين في درجاتهم لسنوات.

الدكتورة مروة فخري عيد – اختصاصية علاج طبيعي – قفزت من مدير إدارة إلى مدير عام خلال أربع سنوات فقط، رغم أن تخصصها لا يدخل ضمن مجالات الإدارة الطبية المعتمدة للشركة. وتكشفت الخلفية سريعًا: هي ابنة فخري عيد، الرئيس الأسبق لمجلس إدارة إنبي، وتنتمي لعائلة مترابطة داخل الشركة، تضم شقيقها المهندس علي فخري، وشقيقتها المهندسة مي فخري، وزوج الأخيرة المهندس محمد السنباطي، وجميعهم يشغلون مناصب داخل الشركة نفسها.
أما سمر ضياء الدين مصطفى، خريجة معهد فني، فقد تبوأت منصب مديرة إدارة براتب يفوق نظراءها من حملة الماجستير وخريجي كليات الهندسة والتجارة، وهو ما يعد تجاوزًا فادحًا لمبدأ تكافؤ الفرص داخل مؤسسة يُفترض أنها تقوم على الكفاءة.
هذه الوقائع ليست استثناءات فردية، بل نمط متكرر، يستند إلى آلية تحايل ممنهجة على شرط “الدرجة 15”، وتتم بتغطية غير مرئية، لكنها مؤثرة وفعالة.

وفي القلب من هذه المنظومة، يبرز اسم محمد ثابت، مساعد رئيس الشركة للشؤون الإدارية، بوصفه محورًا مركزيًا في عمليات “هندسة الترقية”، بحسب وصف مصادر مطلعة داخل الشركة. وتشير المعلومات إلى أنه يتمتع بنفوذ داخلي مدعوم بتحالفات غامضة وأجندة لا تعترف بالقواعد المؤسسية.
ثابت، بحسب ذات المصادر، يسعى بكل قوة لخلافة حسام التوني في منصب نائب رئيس الهيئة العامة للبترول للشؤون الإدارية، لكن أمامه منافسون أقوياء، من بينهم:
• محمد عاطف، شقيق المتحدث الرسمي للوزارة معتز عاطف.
• أسامة التفتازاني، نائب رئيس شركة “إيكم”.
• رشا رمضان، وكيلة لجنة الطاقة بمجلس النواب، ونائب رئيس شركة “إيكم”.
• عمر شبكة، مساعد رئيس شركة “سيدبك”.
• محمد حسني، مساعد رئيس شركة “موبكو”.
غير أن المصادر نفسها تشير إلى أن رشا رمضان تبقى الأوفر حظًا بين الجميع.
وفي حال تعثر محمد ثابت في اقتناص المنصب المرتقب، فإن “الخطة ب” جاهزة: رئاسة نادي إنبي خلفًا لـ أيمن الشريعي، رغم النجاحات المحققة على يديه في تطوير النادي رياضيًا وإداريًا.
🔴 عقود مشبوهة وصفقات مريبة: المال العام تحت المسميات البراقة
المخالفات لم تتوقف عند التعيينات والترقيات، بل طالت بنودًا مالية وإدارية أكثر خطورة.
شيماء حسن، مديرة مكتب الدعم الفني، أطلقت مشروعًا شاملاً لإعادة تأثيث مكاتب الشركة تحت شعار “توحيد النمط”، وتم التخلص من أثاث لم يمضِ على استخدامه سوى سنوات معدودة، في تجاهل فج لتوجيهات الدولة بشأن ترشيد الإنفاق في شركات القطاع العام.
أما في المجال الصحي، فشهدت الشركة ما يشبه التحول من خدمة للموظفين إلى بوابة للربح الضيق. التعاقد مع ثلاث صيدليات انتهى بتركيز الصرف على واحدة فقط – مملوكة للسيد خالد حنفي – في صفقة تثير شبهة علاقة غير معلنة أو استفادة متبادلة.
لكن أكثر ما يثير القلق هو ما ورد في وثائق مسربة عن تأسيس مسؤول كبير بالشركة شركةً خاصة في المملكة العربية السعودية، لتوريد المواد والخامات إلى فرع “إنبي” هناك، في تضارب مصالح صارخ يفترض أن يقف عنده أي نظام رقابي فاعل.
🔴 الموظفون: ثورة صامتة تختمر
داخل مكاتب “إنبي”، لم يعد النقاش يدور حول المشروعات أو فرص العمل، بل حول الظلم. موظفون كُثر يتحدثون اليوم عن “إقصاء ممنهج” لأصحاب الكفاءة، وتلميع مستمر لأصحاب الولاءات.
قال أحدهم:
“نحن نشهد عملية استبعاد للجديرين، مقابل تمكين لمن يملكون سندًا أو دعمًا، لا لمن يمتلك الكفاءة.”
بدأت تظهر معالم ما يشبه “الهجرة الوظيفية الداخلية”، حيث بدأ الموظفون في بناء شبكات مصالح خارج دوائر التأثير التقليدية، وإعادة ترتيب أوراقهم بعيدًا عن أنظار الإدارة، بعد أن بات واضحًا أن من لا يحظى بدعم خفي، لا مستقبل له داخل الشركة.
🔴 أسماء أخرى في واجهة المشهد: أحمد صلاح حجازي نموذجًا
يرتبط اسم أحمد صلاح حجازي، رئيس قسم التوظيف بالإدارة العامة للشؤون الإدارية، بعملية تعيين ٥٠٠ موظف مياومة، و٦٠٠ موظف بعقود خدمات فنية، وهي العملية التي أعقبها ترقيته إلى الدرجة ١٣، في تجاوز إداري واضح تم بتعليمات مباشرة من محمد ثابت.
ولم يتوقف الأمر عنده، إذ جرى تعيين شقيقه محمد حجازي بعقد خدمات فنية، ثم تحوّل عقده إلى عقد دائم، ليُرقى بعد ذلك إلى الدرجة ١٢، ثم يحصل على درجة استثنائية (١٣)، ويُسند إليه لاحقًا منصب رئيس قسم بالإدارة العامة للشؤون المالية.
كذلك جرى تصعيد ريهام عبد الجواد من الجريد ١٥ إلى ١٥ (!) بناء على التماس مباشر لرئيس الشركة، ثم نُقلت إلى إدارة الأجور. وتكررت القصة نفسها مع حنان خليل، التي انتقلت إلى إدارة الموازنة.
🔴 وائل لطفي… النزيه الذي غاب عن تفاصيل شركته
لا جدال في نزاهة المهندس وائل لطفي، رئيس مجلس إدارة “إنبي”، بل إن اسمه يحظى بتقدير واسع داخل القطاع، لخبرته وكفاءته. لكن انشغاله بملفات شركة “انبي ”، دفعه إلى تفويض الصلاحيات الإدارية داخل “إنبي”، وخلق فراغًا ملأه آخرون بممارسات بعيدة كل البعد عن الحوكمة.
وهنا يُطرح السؤال المصيري: إلى متى يمكنه تجاهل ما يجري في شركته الأم؟ وهل سيبقى مكتفيًا بالإنجازات الاستراتيجية، بينما تنهار القيم التنظيمية في الداخل؟
🔴 إنذار عاجل للوزير والجهات الرقابية
يضع هذا التحقيق على مكاتب وزير البترول والثروة المعدنية المهندس كريم بدوي، وكل الجهات الرقابية المعنية، مجموعة من الملفات التي تستدعي فتح تحقيق موسع ومستقل، تشمل:
1. مخالفات التعيينات والترقيات وغياب معايير الشفافية.
2. وقائع إهدار المال العام تحت غطاء مسميات وهمية.
3. شبهات تضارب مصالح داخلي وخارجي.
4. دور بعض القيادات الإدارية، وعلى رأسهم محمد ثابت، في إعادة توجيه القرار الإداري بما يخدم مصالح شخصية.
🔴 إنبي تحتاج أكثر من إدارة… إنها تحتاج قائدًا يعود إلى الداخل
إن ما تواجهه شركة “إنبي” اليوم يتجاوز نطاق أزمة إدارية. إنها أزمة ثقة، وشرخ في مفهوم العدالة التنظيمية داخل إحدى أهم مؤسسات الدولة.
لا بد من استعادة الانضباط.
لا بد من عودة “عين القائد”.
فهل يرفع المهندس وائل لطفي رأسه من الملفات الكبرى في “إنبي”… وينظر إلى شركته في تلك الملفات الصغيرة قبل فوات الأوان؟